last posts

كيف تعمل الطبيعة على تعليم البشر الصبر والمثابرة من أجل تحقيق الأهداف؟

كيف تعمل الطبيعة على تعليم البشر الصبر والمثابرة من أجل تحقيق الأهداف؟

الطبيعة، بصفة عامة، هي أهم مصدر لاستخلاص الدروس والعبر، ولهذا نجد القرويين (سكان البوادي) حكماء بطبيعتهم، بفضل علاقتهم المباشرة بالطبيعة التي يستمدون منها الحكمة والطاقة (المادية والمعنوية) والمعرفة الراقية...! فكلما كان الإنسان قريبا من التراب والنبات والحيوان كلما كان أكثر تفاعلا مع أصله، الشيء الذي يؤدي إلى رفع مستوى جهاز المناعة، والدليل على ذلك هو طبيعة حياة الفلاح! فإذا تأملتم أقرباءكم من البوادي (ولاسيما الفلاحين) ستلاحظون أنهم يعيشون حياة بسيطة، تكاد تخلو من تعقيدات الحضارة الغير معقلنة! ستلاحظون أنهم يتمتعون بصحة جيدة، ومتفائلين رغم تواضع مدخولهم اليومي! وأكيد أنكم تضربون  بهم المثل في الحكمة، والأهلية في المشورة رغم أنهم غير متمدرسين، لا لشيء ولكن لكونهم خِرِّيجي مدرسة الحياة الطبيعية! والعلم يثبت أن إحتكاك الإنسان بالطبيعة (تراب، ماء، نبات، حيوان...)، سواء عن طريق الفلاحة أو تربية المواشي أو الرعي... يجعل منه إنسانا ذو أخلاق راقية ووعي متقدم، سليم الصحة، قوي البدن، سريع البديهة، بالغ الحكمة، إجتماعي بطبعه، سديد الفكر...!

كيف تعمل الطبيعة على تعليم البشر الصبر والمثابرة من أجل تحقيق الأهداف؟
كيف تعمل الطبيعة على تعليم البشر الصبر والمثابرة من أجل تحقيق الأهداف؟

ما طبيعة علاقة الإنسان مع البيئة؟

الإنسان إبن بيئته، يعني أن الإنسان إبن الطبيعة، مما يعني أن الطبيعة أم الإنسان! وبما أن الأم هي أول من يلقن أبناءها كل المهارات الأساسية في الحياة فإن الطبيعة هي أفضل معلم للإنسان!
كل مخلوق، خلقه الله عز وجل، يقدم للإنسان كماًّ هائلا من الدروس والحكم والعبر التي لو اقتنص منها أكبر قدر ممكن لكانت حياته جنة على الأرض، كيف ذلك؟ كيف لا والله، عز وجل، خلق الكون كله وسخره للإنسان، أي جعله في خدمة البشر على كل المستويات! خلق الماء والتراب والهواء كي يوفر للبشر أرقى مستويات الحياة، لكننا قليلا ما ندرك المنافع العظمى لمختلف مكونات الكون، لاسيما النبات والحيوان!
في الغالب، نجد أن أكثر الناس يركز على المنافع المادية المباشرة والمحصورة في كون هذه الكائنات توفر لنا الطعام والملبس والمسكن... ويغفل عن الكثير من الفوائد العظمى المهداة إليه من خلال هذه الكائنات العظيمة! كما لو أن الإنسان يركز على العيش أكثر بكثير من الحياة!

ومن المهم أن نعلم أن العيش أسهل وأقل قيمة من الحياة، وأن الحياة أعظم من العيش! إن معنى العيش يختلف كثيرا عن معنى الحياة! العيش قد يقتصر فقط على توفير المواد الملموسة والضرورية للعيش، أي البقاء على قيد الحياة، وهنا نقول "الإنسان يعيش على الأكل والشرب"! وفي هذه الحالة فإن نوعية الطعام وجودة الغذاء وأصل الأغذية هي أمور قد توضع في خانة ما هو ثانوي!
أما الحياة فهي تحمل معاني إحياء الجسد والروح عن طريق انتقاء الطعام المادي (الغذاء المادي أي الأكل والشرب) الصحي، وكذا الطعام المعنوي (الغذاء المعنوي أي العلم والمعرفة) الصحي!

لماذا خلق الله عز وجل هذا الكون؟

من المعلوم أن الله، عز وجل، خلق الكون كله، غير أننا نتغافل عن حقيقة عظيمة جدا وهي أن الله، سبحانه وتعالى، قد سخر كل المخلوقات لخدمة الإنسان! وفي المقابل، تقع على الإنسان مسؤولية حسن إستغلال الموارد الطبيعية (ماء، تراب، نبات، حيوان...) وترشيد استهلاك الطاقة والمعادن كي يتحقق مراد الله، سبحانه، من خلقه لهذه الكنوز وتسخيرها للبشر ! والإنسان هو المسؤول الوحيد الذي تعود إليه النتيجة، سواء قرر الحفاظ على الثروات الطبيعية وتطويرها (بحار هادءة ومليئة بالسمك، غابات خضراء تعج بالحيوانات، سدود مليئة بالمياه، فصول منتظمة أي المطر الكافي وفي الوقت المناسب، وشمس صحية...) أو قرر استنزاف الطبيعة وتلويثها (فيضانات، احتباس حراري، زلازل، براكين، حرائق، جفاف...)! ولكي يكون الإنسان في مستوى هذه المهمة فقد وهبه الله، عز وجل، أهم طاقة وأعظم مختبر في الكون ألا وهو العقل، والذي يخول له التفكير في أنجع الطرق والوسائل التي تساعده على الحفاظ على الأمانة التي أودعها عنده (الكون) وأتاح له حرية التصرف فيها!

وللإشارة، وعكس ما تقوله المغالطات الفكرية والمغالطات الدينية حول القضاء والقدر والإبتلاء... فإن أي اضطراب يحدث في هذا الكون، وأي اختلال صحي يصيب الإنسان فإن الإنسان هو السبب المباشر والوحيد في ذلك! ولهذا كفانا كذبا على أنفسنا وعلى الله، عز وجل، ولنعترف بخطايانا كي نتمكن من توفير الوقاية وكذلك من تحقيق العلاج المؤدي إلى الشفاء! الله، عز وجل، قال "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"! وقال أيضا "وما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"! الأمور واضحة جدا ولا داعي للتنصل من المسؤولية ولا مبرر لاتخاذ موقف الضحية!

كيف تقدم الطبيعة أفضل الدروس والعبر للإنسان؟

الكون يسير وفق نظام محكم من تدبير حكيم خبير وهو الله، عز وجل! لكن مادام قد سخر هذا الكون لصالح الإنسان والبشرية بصفة عامة، فإن هذا الكون يتأثر بنوعية الفعل البشري أي التدخل البشري! ولم يخلق الله كل مكونات الكون (كواكب، بحار، تراب، حيوان، نبات...) فقط كي يستفيد الإنسان من الجانب المادي فقط (طعام، لباس، سكن...) سعيا نحو العيش، ولكن لكي يستمد منها الدروس والعبر كي يحيى أي سعيا نحو الحياة! وكما قلت في أول الموضوع، هنالك فرق شاسع بين العيش والحياة!
وسأقدم بعض الأمثلة عن الكائنات التي خلقها الله، عز وجل، وسخرها للإنسان كي ينتفع منها على مستوى أفضل بكثير من الجانب المادي:

 وفاء الكلب

الله، وجل، كرم الكلب ورفع من شأنه عندما ذكره مع أهل الكهف، في سورة الكهف في القرآن الكريم! ومهما قلنا ومهما بحثنا فلن نستوفي قدر وقيمة ومكانة الكلب، المخلوق العظيم! لقد ضرب الله لنا مثلا في الوفاء يتجسد في هذا الكائن الطاهر النظيف! أظن، والله أعلم، أن الله قد وضع في الكلب هذه الخصلة العظيمة (الوفاء، إلى جانب الشجاعة والغيرة...) لأنه يعلم أننا لن نكون أوفياء لبعضنا البعض بما فيه الكفاية! وكلما تصرفنا بقلة وفاء يأتي الكلب ليذكرنا بضعفنا لعلنا نستوعب الدرس!

ولسوء حظ هذا الكائن العظيم (الكلب)، فعوض أن يقوم المهتمون بالمجال الديني بشكره ومدحه ولم لا الدعوة إلى العناية بالكلب وإلى الرفق بالحيوان بشكل عام، فقد أساؤوا إليه كثيرا، كيف ذلك؟ لقد قام الكثير من المختصين في الدين بالتحدير من التعامل مع الكلب تحت دريعة "إن الكلب حيوان نجس، وإذا لمسته يجب عليه تجديد الوضوء من أجل الصلاة"، "إذا دخل الكلب إلى المنزل خرجت الملائكة", "يمكن يربية الكلب خارج المنزل ويقتصر دوره على الحراسة والمراقبة والصيد فقط"!

يقولون ما لا يعلمون ولو علموا التناقض الحاصل في كلامهم لأصابهم الندم الشديد! كيف يقولون بأن الكلب حيوان نجس ثم يبيحون استخدام الكلب في الصيد؟! إذا كان لمس الكلب ينقض الوضوء بسبب نجاسته، فكيف لنا أكل الفريسة التي جلبها لنا كلب الصيد بعد أن غرز فيها أنيابه من أجل حملها إلينا؟! ولماذا سمح الله للكلب أن ينام إلى جانب أهل الكهف وهو كائن نجس كما يدعي هؤلاء المتطاولين على خلق الله؟! فعوض أن يقوم رجال الدين بتفسير الدروس التي من أجلها بعث الله الكلب للبشرية فقد قاموا بتخويف الناس من الإقتراب من الكلب خشية إلتقاط النجاسة. كما حرموا الناس من إدخال الكلب إلى المنزل خشية طرد الملائكة!

والغريب في الأمر أن جزءا كبيرا من أحد أهم مصادر الثقة، أي الأطباء، قد قام بالتحدير من الكلاب والقطط تحت ذريعة أنها حيوانات تسبب الأمراض إثر تسرب عينات من الفرو إلى جسم الإنسان أثناء تناوله للطعام أو خلال مداعبة القطط والكلاب! وبطبيعة الحال فكل هذا الأقاويل لن تكون إلا صنفا غريبا من أصناف المغالطات العلمية التي يستهدف من وراءها خلق سوق  تجارية متنامية! كما أنهم لا يملكون أية معرفة عن ثقافة الرفق بالحيوان

نظافة القطط

كلنا نستغرب من شدة نظافة القطط، سواء خارج المنزل أو داخله، بحيث تقضي معظم وقتها في تمرير لسانها على فروها كي تزيل عنها كل الأوساخ والطفيليات. إضافة إلى حرص القطط الشديد على دفن فضلاتها في التراب كي لا تزعج المحيط بالرائحة التي يقال عنها "كريهة" غير أنني أرى أنها مسألة عادية، فنحن البشر، كذلك، لنا رائحتنا الخاصة! كما  أن القطط تدفن البراز كي تحمي نفسها من هجوم القطط الشرسة، وأي حيوانات أخرى، والتي تحدد موقع القطط إثر إلتقاط رائحة البراز!

لكن من يتابع أية قطة حامل لحظة الإنجاب، أثناء وبعد أن تنتهي من وضع صغارها، سيصاب بالدهشة من حرص هذه القطة الأم على تنظيف نفسها وصغارها (الهررة) في آن واحد، بحيث لن تجد أثرا لبراز الصغار، لأنها تتناوله قبل أن يقع أرضا! القطة لديها جهاز استشعار عالي الدقة، إضافة إلى طاقات ومهارات أُخرى، تساعدها على معرفة متى ستقوم صغارها بالتبول والتبرز!

جدية مجتمع النمل والنحل

هذه الكائنات الصغيرة تعتبر مدرسة رائدة في مجال قيم الإلتزام والتعاون والتضامن والتكافل والصبر والكفاح والجد والإجتهاد وخدمة المصلحة العامة...! وكثيرا ما نضرب بها المثل حينما تذكر هذه القيم الأخلاقية لكن التطبيق على أرض الواقع فيه نظر! فالله، عز وجل، أرسل لنا هذه الكائنات العظيمة بمثابة معاهد التكوين المستمر كي نستفيد من خبرتها لكننا غالبا ما لا نستوعب الدرس! وهنالك الكثير من الأمثلة من المخلوقات التي خلقها الله، عز وجل، وسخرها لخدمة الإنسان على المستوى المعنوي (استخلاص الدروس والعبر) أكثر من المستوى المادي (توفير الغذاء والملبس والمسكن)!!

مثابرة وصبر الحلزون والسلحفاة والجمل وكل الكائنات البطيئة الحركة

 تبدو بطيئة لكن هنالك حكمة وغاية وقوة... في بطئها لاسيما على المدى البعيد! فلا يمكن أن يخلق الله، عز وجل، هذه الكائنات ويزرع فيها البطىء كنوع من الضعف أو ميزة نقص، وإنما وضع فيها هذه الخاصية لأنه يعلم أنها الأفضل والأنسب لها من أجل العيش في بيئة غنية بالكثير من الكائنات المتنوعة! ولو خلق كل الكائنات وأعطاها خاصية مشتركة (السرعة مثلا) لما كان هنالك مبدأ الإختلاف والتنوع والتفرد...ولما أُتيحت الفرصة للبشر لاكتساب هذه القيم العظيمة، مثل الصبر والتحمل والمقاومة والتحدي...

ما هي الدروس المستخلصة من الكائنات البطيئة الحركة؟

الأهم من كل ما سبق ذكره هو أن الله، عز وجل، قد ميز الحلزون والسلحفاة والجمل وكل المخلوقات البطيئة بميزة البطء كي تكون عبرة لنا لنستخلص منها الدروس والعبر والقيم والحكم إن نحن أدركنا معنى "التفكر في خلق الله، عز وجل"!
وحسب رأيي المتواضع، فإن أهم الدروس التي تهديها لنا الكائنات البطيئة هي:

- الجد والجودة والإتقان والإجتهاد في إتمام كل المهام والأعمال والخدمات في الوقت المتفق عليه مهما قلت قيمتها أو عظمت! وهنا تتجلى قيمة الصبر بشكل كبير ولاسيما عند القيام بالمهام الشاقة والمتواضعة الأجر من أجل الآخرين. 
هذه المسألة، بالنسبة لي، مهمة جدا، لأن هنالك الكثير من الناس من يجتهد فقط في الأعمال الخاصة به، أي التي تدر عليه فائدة معينة. لكن حين يقوم بعمل أو مهمة أو يقدم خدمة للآخرين في مقابل مادي، فهو يهتم فقط بمتى سيحصل على الأجر أما قيم الجد والإجتهاد فلا يوليها اهتماما كبيرا!

- المثابرة والمقاومة وتحمل الصعاب وخوض التحديات: هذه الصفات يتصف بها الحلزون والسلحفاة والجمل وكل المخلوقات البطيئة. فمن الأكيد أنه لم يسبق لكم أن رأيتم حلزونة أو سلحفاة  تشتكي أو تتذمر من طول المسافة أو من المنعرحات والمنحدرات أو من تقلبات أحوال الطقس ومن التغيرات المناخية (جفاف، إحتباس حراري، فيضان، تصحر، ثلوج،...)!
فهذه الكائنات الرائعة هي مصدر كبير من مصادر العبرة والطاقة والحماس والتحمل... وليس فقط مصدر غذاء للبشر! ولهذا علينا الإقتداء بها في المثابرة والعمل على تحقيق الأهداف مهما كان مستواها، فلا وجود لكلمة مستحيل إلا في العقل الذي يؤمن بها!

وللقراءة باللغة الإنجليزية، فالمرجو الضغط هنا
أتمنى أن أكون عند حسن ظن كل قارئ، وأرحب كثيرا بتعليقاتكم واستفساراتكم ونصائحكم للاستمرار في التعلم والإبداع
Comments



Font Size
+
16
-
lines height
+
2
-
youtube